الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عليهم أجمعين. ويتوجه النظر في حقيقة الدعاوى وشروطها، ثم حقيقة المدعي والمدعى عليه في جوابها، ثم في تصرّف الحاكم فيها، فهذه أربعة أنظار: فالدعوى لغة: الطلب، قال الله تعالى: (ولهم ما يدعون) أي ما يطلبون. وأما في الشرع: فهي طلب معين، أو ما في ذمة معين، أو أمر يترتب له عليه نفع معتبر شرعا، فالأول كدعوى أن السلعة المعينة اشتراها أو غصبت منه، والثاني: كالديوان والسلم، ثم المعين الذي يدعى في ذمته قد يكون معينا بالشخص كزيد، أو بالصفة كدعوى الدية على العاقلة، أو القتل على جماعة، أو أنهم أتلفوا له متمولا. والثالثة: كدعوى المرأة الطلاق أو الردة على الزوج، أو الوارث أن أباه مات مسلما أو كافرا، فإنها لا معينة ولا في الذمة، إنما تترتب عليها مقاصد صحيحة، وقولنا: معتبر شرعا: احترازا من دعوى عشر سمسمة، فإن الحاكم لا يسمع مثل هذا، لأنه لا يترتب عليه لطالبه نفع شرعي. وللدعوى أربعة شروط: أن تكون معلومة محقة لا تكذبها العادة، يتعلق بها غرض صحيح، وفي الجواهر: لو قال: لي عليه شيء لم تسمع دعواه، وكذلك إذا قال: أظن أن لي عليك شيئا، أو لك علي كذا، وأظن أني قضيته، لم تسمع لتعذر الحكم بالمجهول، إذ ليس بعض المراتب أولى من بعض، ولأن الحاكم لا يدخل في خطر بمجرد توهم المدعي، قال الشافعية: لا يصح دعوى المجهول إلا في الإقرار والوصية، لصحة القضاء بالوصية المجهولة كثلث المال، والمال غير معلوم، وصحة الملك بالإقرار في المجهول من غير حكم، ويلزمه الحاكم بالتعيين، وقاله أصحابنا، وقال الشافعية: إن ادعى بدين من الأثمان ذكر الجنس: دنانير أو دراهم، والنوع: دنانير مصرية أو مغربية، والصفة: صحاحا أو مكسورة، والمقدار والسكة، وإن في غير الأثمان ذكر الصفات المعتبرة في السلم، وذكر القيمة في جميع الصفات أحوط. وما لا ينضبط بالصفة كالجواهر فلا بد من ذكر القيمة من غالب نقد البلد، ويذكر في الأرض والدار اسم الصنع والبلد، وفي السيف المحلى بالذهب: تذكر قيمته فضة، وبالفضة تذكر قيمته ذهبا، أو بهما قومه بما شاء منهما، لأنه موضع ضرورة، ولا يلزم ذكر سبب ملك المال بخلاف سبب القتل والجراح، ويلزم الحاكم: هل قتله وحده أو مع غيره عمدا أو خطأ؟ لأن إتلافه لا يستدرك، بخلاف المال، وهذا كله لا يخالف فيه أصحابنا، وقواعدنا تقتضيه. فرع مرتب: إن ادعى نكاح امرأة وأنه تزوجها تزويجا صحيحا، ففي الجواهر: سمعت دعواه، ولا يشترط أن يقول: بولي وبرضاها، بل لو أطلق فقال: هي زوجتي كفاه، وقاله (ح)، وقال (ش) وابن حنبل: لا تسمع حتى يقول بولي وبرضاها وبشاهدي عدل، بخلاف دعاوى المال وغيرها. لنا: القياس على البيع والردة والعدة، ولأن ظواهر عقود المسلمين الصحة. احتجوا بأن النكاح خطر، والوطء لا يستدرك فأشبه القتل، وأن النكاح لما اختص بشروط زائدة على البيع من الصداق وغيره خالفت دعواه الدعاوى، ولأن المقصود من جميع العقود يدخله البدل والإباحة، بخلافه. والجواب عن الأول: أن الغالب في دعوى المسلم مع بينته الصحة. فالاستدراك نادر لا عبرة به، والقتل خطر أعظم من حرمة الفرج، وهو الفرق، فلا يلحق به. وعن الثاني: أن دعوى الشيء يتناوله بشروطه، بدليل البيع، فلا يحتاج إلى الشروط في الدعوى كالبيع له شروط لا يشترط في دعواه. وعن الثالث: أن الردة والعدة لا يدخلهما البدل والإباحة، ويكفي الإطلاق فيهما، وأما قولنا: لا تكذبهما العادة ففي الجواهر: الدعاوى ثلاثة أقسام، قسم تصدقه العادة كدعوى القريب الوديعة، وتكذبه العادة كدعوى الحاضر الأجنبي ملك دار في يد زيد، وهو حاضر يراه يهدم ويبني ويؤجر مع طول الزمان من غير وازع يزعه عن الطلب من رهبة أو رغبة، فلا تسمع دعواه. والثالث: ما لم يقض بصدقها ولا بكذبها بل أنها مشبه كدعوى المعاملة في موضع بشروط الخلط على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وقولنا: فيها غرض شرعي كما تقدم في غير السمسمة، وما علم أن المقصود به اللعبة والتعنت. وأصله قوله: لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فليس كل طالب مدعيا، بل قد يكون مدعى عليه كاليتيم إذا بلغ، وادعى عدم قبض ماله تحت يد الوصي، فإنه مدع، عليه البينة، وطالب الوديعة التي سلمها ببينة مدعى عليه، ولا يقبل قول المطلوب المودع إلا ببينة أن الوصي ما يؤمنه الله في الدفع لأمره إياه فيه بالإشهاد، والمودع لم يؤمن المودع عنده، لأنه أشهد عليه عند الدفع، فقد أمنه على الحفظ دون الرد، ونظائره كثيرة، فلذلك قال الأصحاب: المدعي من خالف قوله أصلا، كدعوى الدين أو عرفا كالوديعة المشهود بها، فإن العادة: أن من أشهد عليه لا يعطي إلا ببينة، والمدعى عليه من وافق قوله أصلا أو عرفا، وقيل: المدعي هو أضعف المتداعيين سببا، والمدعى عليه هو أقوى المتداعيين سببا، وهو راجع إلى الأول، فاليمين أبدا من جهة المدعى عليه، والبينة على المدعي، ليكون هذا شأنك في الترجيح بالعوائد وما يشبه من الأثمان وظواهر الأحوال وهي أمور غير منحصرة، فمن رجح بواحد منها فهو المدعي، غير أنه قد أجمعت الأمة على أن الطالح إذا ادعى على الصالح فلسا أو بالعكس، فإن الثاني مصدق منهما كائنا من كان، ولا يصدق الصالح على الطالح ولو وصل الصالح إلى أقصى مراتب الصلاح، والآخر إلى أقصى مراتب الكذب والفساد، بل المرجحات تفتقر إلى دليل شرعي يدل على اعتبارها، وبهذا ينتقض قول الأصحاب: المدعي من خالف قوله عرفا أو أصلا، فإن الفاسق إذا كذب الصديق في دعوى الفلس، العادة تكذبه مع أنه مدعى عليه إجماعا، فاعلم ذلك. تنبيه: قال بعض العلماء: اختلاف العلماء في تقديم الأصل على الغالب ليس على إطلاقه، فقد انعقد الإجماع على تقديم الأصل على الغالب في هذه الصورة، وعلى تقديم الغالب على الأصل في البينة، لأن غالبهما الصدق، والأصل: براءة ذمة المشهود عليه، والبينة مقدمة إجماعا. وفي الجواهر: هو إقرار أو إنكار، فإن (قال): لا أقر ولا أنكر ولكن تقيم البينة أولا وأحكامه إليك، خير على أن يقرأ وينكر، رواه أشهب لإظهار اللدد، وقال أصبغ: يقول له القاضي: إما أن تحاكم وإلا أحلفت المدعي وحكمت له عليك. هذا إن كانت الدعوى مشبهة تستحق اليمين مع النكول، لأن نكوله عن الكلام نكول عن اليمين، وإلا فقال محمد: حكم عليه بغير يمين من المدعي لأنه كالإقرار، وقال اللخمي: المدعي بالخيار بين أخذ المدعى بغير يمين على أنه متى عاد إلى الإنكار عاد ذلك له، أو يحلف الآن ويحكم له به مالك لكمال الحجة بالحلف، بعد أن يعلم أن المدعى عليه أنه لم يقر ولم ينكر حكم عليه كالناكل، ولا ينقض له الحكم بعد أن يأتي بحجة، الإ أن يأتي ببينة لم يكن علم بها، وإما أن يسجن له حتى يقر أو ينكر، لأنه يقول: هو يعرف حقي فإذا سجن أقر واستغنيت عن اليمين. وفي هذا النظر سبعة فروع: الأول: في الجواهر: إذا أقر بخمسين من ستين وامتنع في العدة من الإقرار والإنكار، قال محمد: أجبر بالحبس حتى يقر أو ينكر إذا طلب ذلك المدعي، فإن أصر على الامتناع حكم عليه بغير يمين، قاله محمد، وكذلك المدعى عليه بدار في يده، فلا يقر ولا ينكر، فإذا أجبر وتمادى حكم عليه بغير يمين الثاني: وقال ما تقدم بيني وبينه مخالطة من أي وجه يدعي هذا، لزم أن يسأل الطالب عن ذلك بسبب دعواه، فإن ادعى نسيانه قبل ذلك منه بغير يمين لأن ذلك متوقع وألزم المطلوب أن يقر أو ينكر. وقال القاضي أبو الوليد: لا يوقف المطلوب حتى يحلف المطالب أنه لا يذكر ما يدعيه، إذ لعله يذكر السبب فيجد مخرجا، فإن امتنع من ذكر ذلك السبب من غير أن يدعي سببا لم يسأل المطلوب عن شيء فرع مرتب قال: لو ذكر السبب فقال المطلوب: أنا أحلف أنه لا شيء له عندي من هذا السبب، قال أشهب: لا يجزيه حتى يقول: ولا أعلم له شيئا بوجه من الوجوه. قال القاضي أبو الوليد: الظاهر أنه يجزيه لأن الطالب لم يطلب بغير ذلك. الثالث: قال: إذا قال لي: عليك عشرة فقال: لا يلزمني العشرة لم تكف اليمين مطلقا حتى يقول: ولا شيء منها، لأنه لا يلزم من نفي الكل نفي البعض الرابع: قال: إذا ادعى سلفا أو بيعا لا يكفي أن يقال: لا حق له عندي، بل لم يسلفني ما يدعيه أو لم يبع مني شيئا مما ذكر، قاله مالك وسحنون. وكان مالك يقول: يجزئ، ثم رجع. قال ابن يونس: قال مالك: لا بد من ذكر السبب لئلا يلغز. وقال عبد الملك: إن حلف أنه ما لك علي مما تدعيه قليل ولا كثير برئ. وقال ابن حبيب: إن كان المدعى عليه لا يتهم والمدعي يتهم بطلت البينة. واعلم أن المشهور فيه مصالح ومفاسد، أما مصالحه فلأنه إذا قال: ما اشتريت منه أمكن المحق أن يقيم البينة على الشراء فيخلص حقه. وأما مفاسده فإنه قد يكون وفاه الثمن ونحوه فيعترف بالشراء فيلزمه الثمن مرة أخرى، وهذا هو الموجب لعدم اشتراط ذكر السبب الخامس: قال: إذا ادعى عليه مالك فقال: ليس لي بل وقف على الفقراء أو على ولدي أو مالك، لم يمتنع ذلك من إقامة البينة من المدعي ما لم يثبت ما ذكر فتقف المخاصمة على حضور من تثبت له عليه الولاية. ولو قال: ليس لي بل لمن لا أسميه فأولى أن لا يمنع من تمام المحاكمة ولو قال: لفلان وهو حاضر فللمدعي تحليف المقر له، فإن نكل حلف المدعي وأخذ المدعى به، وإن حلف المقر له فللمدعي به. وإن حلف المقر له فللمدعي أن يحلف المقر لأنه أتلفه عليه بإقراره، فإن نكل حلف المدعي وأخذ قيمة المقر به من المقر. فإن أضاف إلى غائب وأثبت ذلك ببينة انصرفت الخصومة عنه إلى الغائب، وإن لم يثبت ذلك لم يصدق وحلف، فإن نكل رجع المدعى به إلى المدعي بغير يمين. فإن جاء المقر له فصدق المقر أخذه، لأن من هو في يده يتهم أن يكون أراد صرف الخصومة عن نفسه. السادس: قال: جواز دعوى القصاص على العبد ليطلب من العبد الأرش، يطلب جوابها من السيد السابع: قال: إذا ادعى لم يحلف وقال: لي بينة قريبة فاطلبوا منه كفيلا، أخذ منه كفيل بنفسه ما بينه وبين خمسة أيام إلى الجمعة. ولمالك: إذا قامت البينة له، طلب الكفيل قبل التعديل لوجود سبب صدقه من حيث الجملة. ولو ادعى عليه خلطة وادعى عليه بينة قريبة على اللطخ كاليوم ونحوه وكل ما المطلوب (كذا) وقال سحنون: يؤخذ منه كفيل وفي الكتاب: إذا أقام غير الحائز بينة دون الحائز قضي للمدعي، إلا أن تطول الحيازة كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، فلا تسمع دعواه. فإن أقاما بينتين على نتاج أو نسج فهو لمن بيده منهما لرجحان بينته باليد. فعندنا تقدم بينة صاحب اليد وهو الداخل على بينة الخارج شهدت بمطلق الملك نحو: هو ملكي، أو مضافا إلى سبب عن ملكي نسجته في ملكي أو ولدت الدابة عندي، قبل السبب المتكرر كنسج الخز وغرس الشجر أم لا كالولادة ونسج القطن، وقاله (ش) وقال (ح): إن شهدت للخارج بمطلق الملك قدمت على بينة صاحب اليد. أو مضاف إلى سبب يتكرر ويتداعيان السبب قدمت بينة صاحب اليد وقال ابن حنبل: تقدم بنية الخارج مطلقا. لنا: ما رواه جابر أن رجلين تنازعا دابة وأقام كل واحد بينة أنه نتجها فقضى بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لمن هي في يده؛ ولأن أحدهما ترجح باليد فيقدم، كما إذا لم يقيما بينة؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) وقد تقدم بسط هذه المسألة في اختلاف البينات فقها وسؤالا وجوابا. فرع: في الكتاب: ومن أقامت بيده دار سنين يكري ويهدم ويبني وقامت بينة أنها لك، أو لأبيك أو جدك وثبتت المواريث وأنت حاضر تراه يفعل ذلك فلا حجة لك، أو غائب فقدمت فلك إقامة البينة. وكذلك من حاز على حاضر عروضا أو حيوانا أو رقيقا فلك الدار، لأن الظاهر من العادة كذب الحاضر والحالة ذلك. ولم يحد مالك في حيازة الربع عشر سنين ولا غيرها. وقال ربيعة: عشر تقطع دعوى الحاضر إلا أن يقيم بينة أنه أكرى أو أسكن أو أعار ونحوه. ولا حيازة على غائب. وعن النبي -صلى الله عليه وسلم - /: (من حاز عشر سنين فهو له). قال ابن القاسم: لو ورثتها عن أبيك فأقام ابن عمك بينة أنها دار جده فهي حيازة كما تقدم. قال ابن يونس قال سحنون: لما أباح الله تعالى القتال بعد عشر سنين كان ذلك أبلغ شيء في الإعذار، لقوله تعالى: (وأمر بالمعروف) وكل شيء يكذبه العرف والعادة وجب أن لا يؤمر به، بل يؤمر بالملك للحائز لأنه العرف فيمن رأى هذه التصرفات مع طول السنين من غير مانع ولم يدع ملكا ولا تعرض ويكذب دعواه، ويصدق الحائز أن ذلك صار إليه ببيع. واختلف في الهبة، والصدقة أضعفهما. قال: والصواب: التسوية. وحدد ابن القاسم الحيازة بعشر سنين وبثمانية إلى العشرة. وعنه: زرع الأرض عشر سنين يبطل دعوى الأجنبي بخلاف الغرس والبناء. وقال أصبغ: مدة الحيازة المانعة في الثياب والحيوان والعبيد أقصر، كل شيء بقدره، فالثوب: السنة إذا ألبس، والدابة: السنتين إذا ركبت واغتلها على وجه الملك، والأمة كذلك إلا أن يطأها وهو يعلم ولا ينكر فتسقط حجته وإن لم تطل المدة قبل الوطء، والعبيد والعروض فوق ذلك قليلا. وقال مطرف: عشر سنين قاطعة في جميع الأشياء، وقد يكون في بعضها الخمس والست والسبع والثمان باجتهاد الإمام في ذلك. والبيع والعتق والتدبير والكتابة وإصداق الأمة كوطئها يقطع الحجة إذا علم الطالب ولم يغير، قام بحدوث ذلك أو بعده. قال: إذا أثبت الطالب أنه لم يزل يخاصم في عشر السنين نفعه ذلك، ولا يكفي اليومان ثم يمسك. قال: جري القناة سنة لا يمنع أن الجار قد يغفل عن ذلك بخلاف أربع سنين. قال: فإذا فتحت كوة ترى منها ما في دار جارك وأقامت أربع سنين، ففتح جارك قبالتك كوة فطلبت سدها فطلب الآخر سد القديمة، يحلف جارك ما ترك القديمة إلا على معنى الجوار وتسد الكوتان. قال ابن القاسم: إذا أقر الحائز أنه ابتاعها منك أو وهبتها له أو تصدقت بها عليه ولم تقم بينة صدق في البيع مع يمينه إذا حازها زمانا يهلك في مثله البينات، وتحلف أنت في الصدقة والهبة: ما خرجت من مالك وتدفع قيمة ما بنى وما نقصت، ويصدق هو إن كان ورثها إلا أن تكون أنت غائبا فأنت أولى إلا أن تقيم بينة سماع على الشراء فيما طال زمانه. قال مطرف: إذا علم أصل الحيازة بكراء ونحوه فالحق لصاحب الأصل وإن طالت الحيازة، إلا أن يقيم بينة بالبيع أو الهبة، أو يحدث فيها بحضرتك ما لا يحدثه إلا مالك وأنت ساكت. ووالد الحائز وولد الولد في جميع ذلك كأبائهم. قال ابن القاسم: لا حيازة على غائب ولو كان على مسيرة أربعة أيام ونحوها وهو يبلغه موت الحائز وأولى وأتت (كذا) ولا يطلب ولا يوكل فله القيام، ولا يقطع دعواه إلا الأمر الغريب، وليس كل الناس يتيسر عليه الطلب في ذلك، إلا أن يعلم بذلك ويطول الزمان. ومسألة ابن العم جعل فيها الحيازة بين الأجنبيين والأقارب سواء بخلاف ماله في غير المدونة. قال بعض القرويين: إن كانت القرابة يتسامحون الثلاثين سنة لم تكن حيازة، وينظر ما يتشاحون فيه، وينظر في الهدم والبناء، فإن كانوا لا يفعلونه إلا بعد المقاسمة فهو حوز وإلا فلا، إلا أن يطول الزمان كالخمسين سنة. وما حاز الوارث بالوطء والبيع والتدبير والكتابة والعطية فذلك يقطع حق باقي الورثة. وعن ابن القاسم: الهدم والبناء ونحوه في الحيازة يستوي فيه الورثة والقرابة والأجنبيون في طول ذلك. وعنه: لا يقطع حق الوارث بالبناء والهدم عشر سنين بخلاف الأجنبي، ويختص الوارث بما حازه بالوطء والبيع والتدبير والكتابة والعطية بخلاف الغرس والبناء والأربعين سنة ليست طولا، مات الوارثان أو أحدهما أو بقيا إلا أن يطول جدا. وكذلك المرأة مع ولد زوجها إلا أن يقسموا أو يبيعوا أو يعتقوا بعلمها أو علم وارثها فيقطع حقهم ذلك. فإن فعلوا ذلك في بعض الرقيق في ستر منهم أخذت حقها فيما أعتقوه أو باعوه لأنها تعذر بالسكوت عن اليسير في جنب كثير الميراث. وإن فعلوا ذلك في جل الميراث بطل حقها في الجميع. قال مطرف: لا حيازة بين الشركاء والورثة فيما يزرع أو يسكن لغير عمارة وإن طال الزمان إلا في الخمسين سنة، ويحدث فيما لم يطل بيع أو هبة أو قسم أو صداق بحضور الباقين ولا يقومون بحدثان ذلك. وما حيز بالهدم والبناء والغرس والإحياء فهم فيه كالأجنبيين. قال ابن دينار: ما حاز الابن من أرض أبيه في حياته بالغرس والبناء والإحياء ولم ينقله الأب حتى مات وطال فهو للولد إن أدعاه ملكا لنفسه، وإن كان أبوه ينقله من موضع إلى موضع فلا. وعن ابن القاسم: لا حوز بين الوالد والولد لأنه كالحوز للأب إلا ما ينسبه لنفسه بشراء أو صدقة أو هبة. والحد الموضع والمولى والحتز (كذا) كالأجنبي. قال مطرف: ما عدا الشركاء والورثة من جميع القرابات: الإخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والأخوال والأصهار والموالي فكالأجنبي. قال أصبغ: إلا الموالي الخولة المدبرين لأموالهم من الخاصية، وكذلك الأصهار يكونون خولا ووكلاء لصاحب الأصل أو مختلطين به حدا. ولا حيازة للابن على أبيه وإن كان منقطعا عنه، قال: وحاصل الخلاف ثلاثة أقوال: الورثة والشركاء صنف لا يقضى لهم إلا بطول الحيازة كالخمسين سنة، الأجنبيين والقرابة غير الوارثة والأصهار والموالي صنف يقضى لهم بحيازة عشر سنين ويستوون كلهم في بيع المحوز، وصدقته وهبته ووطؤه وكتابته وتدبيره فوت وإن قرب، واختلف في حوز الورثة بالبناء والهدم فقيل: كالأجنبي، وقال أشهب: الورثة والأصهار والموالي كالأجنبي يقضى لهم بالعشرة ونحوها. قال سحنون: إذا أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ يزيله الحاكم ولا حوز فيه لأنه طريق المسلمين، بخلاف الأملاك إلا في نحو ستين سنة فيترك لأنه لا يعلم بأي وجه وضع. قال اللخمي: كراء الدار أبين من السكنى، لأنه ليس البنيان فيمن اكترى أن يكري إلا أن يقول: تركت له الكراء ليرتفق به وبينهما مؤاخاة، فقيل: إن كان يحتاج إلى الرفق، وإن كان صاحب الدار يحتاج إلى الرفق لم يصدق. والهدم لما يخشى سقوطه لا يمنع. وتسأل الجارية: هل تركت وديعة أو عارية أو إجارة؟ وهل يودع مثلها لمثله أم لا؟ وهل هو ممن يؤجر جواريه والآخر ممن يستأجر أم لا؟ ومتى أشكل الأمر حلف المالك، ويتبع في ذلك قرائن كل نازلة. وكذلك في القرابة من علم منه المشاحة فهو على حقه وإن طالت السنون ونواريه (كذا). نظائر: قال العبدي: يعتبر ما بين الخمسين إلى الستين في خمس مسائل: في الحيازة على الأقارب، وتعنيس الثيب، والأربعون دينارا إلى الخمسين مال تجب فيه النفقة في القراض والكسوة، وكذلك البضاعة، والخمسون ثمن الرابعية (كذا) وقيل في وصي الأم إن الستين دينارا في حيز القليل فيكون وصيا فيه. فرع: في الجواهر: ليس كل شيء يحتاج إلى الدعوى، فالقادر على أخذ المغصوب منه مع الأمن من الفتنة وسوء العاقبة بأن يعد سارقا ونحو ذلك يأخذه، ولا يلزمه الرفع للحاكم، وحق العقوبة لأنه فيه (بمنزلة) الحاكم. فإن امتنع المدين من الدفع لك وحصل له في يدك شيء من جنس ما عليه أو من غير جنسه فروي: لك أخذ قدر دينك من الجنس والغريم غير مدان، أو مقدار حصتك في حصاص المدان، وروي: المنع مطلقا، وروي: لك الأخذ ولو من غير الجنس بتحري القيمة. ومستند ذلك: قصة هند بنت عتبة. ولو جحدك وعليك له مثل ما له عليك وهما حالان جاز لك الجحد على الرواية الأولى وإلا حيزت ويحصل القصاص. قلت: وظاهر المدونة: المنع مطلقا لأنه من باب الخيانة. فرع: قال ابن يونس: قال مالك: لا يحلف مع شاهديه إلا أن يدعي غريمه قضاء أو بيعا، فإن نكل حلف المطلوب ويروى: فإن نكل ألزم. ولا بد من اليمين في الحق على الميت: أنه ما قبضه من الميت ولا شيئا منه ولا أسقطه ولا شيئا. فإن ادعيت عن ميت حلفت من يظن به علم ذلك من الورثة البالغين على العلم، ومتى نكل سقطت حصته من الدين بعد يمينك. فرع: قال مالك: لك أن توكل في الخصومة إلا عدو الخصم ونحوه لأنه فعل يتأتى للوكيل كالبيع، ومنعه سحنون لأنه يفضي إلى طول الخصومة بالمراجعة، ومنعه مالك إذا شرعا في الخصام إلا لعذر كسماعه لقبيح. فرع: قال: إذا ادعت الطلاق الثلاث وأنكره الزوج أمر بالنفقة لإقراره بسببها، قاله سحنون، وربما لم يفرض لها نفقة ويقول: هو كمن أقر بدين والآخر ينكره. قال بعض القرويين: فيها نظر، لأنها وإن اعترفت بعد الاستحقاق فهي محبوسة ممنوعة من الأزواج مع أنها لا يحل لها تمكينه وقد يعجز عنها فهو موضع نظر. قال ابن يونس: أرى إن قدر على وطئها لزمته نفقتها لإقراره واستمتاعه، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: (وتقول له امرأته: أنفق علي أو طلقني) وإن عجز عن وطئها وهي كالناشز، وقد اختلف في النفقة عليها. قال: وأحب إلي في هذا أن لا نفقة لإقرارها ومنعها. فرع: في الكتاب: إن أقر بالسلف من ميت وأنه قضاه ولم يطل الزمان غرم للوارث لإقراره إلا أن يثبت القضاء، وإن طال حلف وبرئ إلا أن يذكر ذلك شكرا فيقول: جزاه الله خيرا سلفني فقضيته فلا يلزمه شيء قرب أم لا.. فرع: قال: إن ادعيت عليه حرا وادعيت قرب البينة في يومك أو غدك، وقفه القاضي ولا يحبسه إلا أن يقيم شاهدا. ولو ادعيت عبدا وسألت وضع قيمة العبد ويذهب به إلى بلدك لتشهد عليه البينة عند قاضيها فلك ذلك لأنه عذر إذا أقمت الآن شاهدا على القطع أو بينة سماع أنهم سمعوا أنه عبدك وأنه سرق منك، وإلا فلا لك أخذه ولا إيقافه إلا أن تدعي البينة حاضرة أو بينة بسماع، سمعت دعواك، ولك ذلك في قرب البينة اليوم ونحوه. فإن أتيت بشاهد أو سماع فلك وضع القيمة عند مالك والذهاب به إلى بلدك لحصول شبهة الثبوت وهو كالإيقاف. ونفقة العبد على من يقضى له به. قال غيره: إنما يوقف مثل ما شهد على عينه من الرقيق والحيوان والعروض لأن ذلك تحول وترك عينه، وقال ابن القاسم: يوقف ما لا يؤمن تغييره، والمأمون كالعقار والرباع، وما له علة إنما يوقف وقفا يمنع فيه من الإحداث فيها، والغلة للذي هي بيده (...) حتى تقضى المطالب. وقال سحنون: هذا إن كان هناك (...) وسارت إليه من مبتاع، ومتى كان في إيقاف العبد ضرر استحلف المدعى عليه وسلمه إليه بغير كفيل، وإن ادعى بينة حاضرة على حقه أوقف له نحو خمسة أيام، وهذا التحديد لغير ابن القاسم، قال غيره: إن ادعيت أو مستهلكا (كذا) وطلبت كفيلا سألك القاضي بينة على خلطة أو معاملة أو ظنة، فإن ادعيت على الخلطة بينة قريبة وكل به حتى يبين اللطخ يوما ونحوه، فإن أتيت بذلك وادعيت على الحق بينة بعيدة استحلفه وأطلقه بغير كفيل، لعدم الشبهة في أصل الحق، أو قريبة ألزمه كفيلا بوجهه إلى جميعه لا بالمال لعدم ثبوته، كما يوقف الحيوان والعروض للحاجة للحضور للشهادة على عينه، وما لا يحتاج إلى إحضاره لتشهد البينة على عينه لا 17 يؤخذ فيه كفيل، وفي النكت: نفقة العبد على من يقضى له به، وقيل: إن لم يتطوع أحدهما بالنفقة وتشاحا فهي على من هو بيده، لأنه على أصل ملكه، فإن ثبت للآخر رجع عليه، وإذا هلك الشيء الموقوف لأنك أقمت شاهدا ولم تحلف: قيل إما أن تحلف أو تغرم القيمة لأنك بسببك عرض للهلاك، وأعيب قول من يقول: إنك تحلف، لأن عندك هلاك ذلك الشيء فيكون يمينك قد ثبت لك، ويجب رجوع المشتري على بائعه بالثمن، لأنه لا يستقيم أن تحلف لحق ثبت لغيرك، وإذا أوقف لتركته للشاهدين، فخاف فساده، فأقام شاهدا واحدا فالجواب سواء يباع بخلاف إذا أقام شاهدا واحدا عدلا وأبى أن يحلف وقال أي تأخر فخاف الحاكم فساده، وإذا لم يثبت فيسلمه للمطلوب، لأن الطالب قادر على إثبات حقه بيمينه مع شاهده، وإذا لم تثبت عدالة الشاهدين، وباعه الحاكم خوف الفساد يدفع الثمن للمدعى عليه وهو أقل بما شهدت به البينة التي كانت للمشتري، فلا يقال للمشتري ها هنا: يخرج، لأن البائع قد رجع إليه ثمن سلعته، فهو كرجوع عينها إليه، والمشتري يقول: لم أسلم المبيع ولا صح لي شيء فلا ثمن له قبلي، قال ابن يونس: إذا ثبت القذف فادعى القاذف بينة قريبة تشهد أن المقذوف كما قال القاذف في السوق ونحوه، حبسه عنده وأمره بإحضارها، أو بعيدة جدا، وإن جاء بالبينة بعد ذلك زالت عنه جرحة الحد، وحد المقذوف، وكذلك الجراح، وما يكون في الأبدان يحبسه مع الشاهد، ولا يأخذ به كفيلا، ويسجن إذا شهد شاهد في العمد دون الخطأ لأن الدية على العاقلة، ولا يؤخذ منه كفيل إلى تزكية الشاهد، إلا أن يطلب الشهادة على عينه، وإن كان الخطأ يوجب أقل من ثلث الدية أخذ منه كفيل، لأنه مال عليه، وأجاز ابن القاسم إقامة البينة على عبد غائب إذا وصفته وحليته ويقضى له به كالسلم، ومنعه ابن كنانة لاحتمال وقوع الخلاف عند حضوره، والذي قال في الكتاب: إن التحديد لغير ابن القاسم، هو سحنون، وهو المراد بعد ذلك بقوة، وقال غيره: إنما توقف مثل ما شهد على عينه من الحيوان، وقال سحنون: لا يوكل بالمطلوب إذا ادعيت بينة قريبة على اللطخ، وأين يجد من يوكل بهذا وهذا، بل يأخذ منه كفيلا حتى يأتي بالمطلوب، قيل: وعلى قول سحنون إذا لم يجد كفيلا سجن. قال اللخمي: قال مالك العبد في الوقف، ثم ثبت للمدعي فهو منه، إلا أن تكون جارية والمشتري مقر بالوطء، ولأنه لم يستبرئ فمن المشتري، ولا يرجع بالثمن، وعلى قوله: من المستحق، تكون الغلة له، وقال سحنون: المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمستحق، قال مالك: وإذا ادعى العبد أو الجارية الحرية ببينة غائبة لم يمكنا من طلبهما إلا أن يأتيا بما يشبه الحق، ويأتي العبد بجميل فإن أتيا بشاهد واحد، وادعيا أنه بعيد الغيبة لم يقبل يطلب شهودهما، وإن كان سيد الجارية غير مأمون، وقفت وضرب لها أجل الشهرين ونحوهما، قال أصبغ: إن كانت من الوخش رأيتها مثل العبد، ويخلى سبيلها تطلب إذا جاءت بحمل. فرع: في الكتاب: إن ادعيت ما يفسد من اللحم ورطب الفواكه، وأقمت لطخا أو شاهدا وأبيت أن تحلف وادعيت بينة قريبة أجلت ما لم يخف فساد ذلك الشيء، فإن أقمت شاهدين وأخذ ذلك الكشف عنهما وخيف فساده بيع ووقف ثمنه جمعا بين المصالح، فإذا زكيت البينة وأنت مبتاع أخذت الثمن، وأديت الثمن الذي قالت بينتك كان أقل من ذلك أو أكثر، ويقال للبائع إذا كان يأخذ أكثر من الثمن الموقوف: أنت أعلم بالمخرج عن الزيادة، وإن لم يذكرا أخذ المدعى عليه الثمن الموقوف، لأنه عليه بيع نظرا وإن ضاع الثمن قبل القضاء أو بعده فمن قضي له به، قال ابن يونس: إذا ادعيت على من بينكما خلطة، فليس عليه كفيل بوجهه حتى يثبت الحق الخلطة لك الكفيل، لأنها مظنة الحق، قال سحنون: فإن لم يجد كفيلا حبس، قال ابن القاسم: وليس طلب وكيل منه لسماع بينة، لجواز سماع البينة على الغائب، قال سحنون: إذا كان مشهورا سمعت البينة في غيبته، قال اللخمي: أرا لينظر في البينة وعدلت أن يخير المشتري بين ثلاثة أشياء: فسخ العقد عن نفسه، لأن البائع لم يمكنه منه، أو يغرمه مثله. أو يأخذ ما بيع به إذا كان الأول جزافا، ويغرم الثمن الذي اشترى به، وإن لم يدرك البينة فالموقوف للبائع ولا شيء على المشتري إن بيع بأقل، والفرق: أن الأول إذا ثبتت البينة بالبيع كانت شهادة على البائع بالتعدي، وإن أتى بلطخ فسلم للبائع للخوف عليه، ثم ثبت البيع، خير المشتري بين الفسخ عن نفسه أو يغرمه المثل، لا تقبل الشهادة فيه بعد تسلمه، فإن كان البائع يدعي البيع وأنكر الآخر الشراء وبيع لتعدل البينة، فإن عدلت كان ما بيع به للمشتري وغرم الثمن، وإن لم يعدل فما بيع به لصاحبه. فرع: في الكتاب: إذا أمرت غريمك بدفع دينك لرجل بعينه فقال: دفعته، وأنكر القابض، لم يبرأ المأمور إلا ببينة، لأنه ليس أمينا على المأمور بالدفع إليه، وإن قال القابض: قبضت فضاع مني لم يبرأ الدافع إلا ببينة، وكذلك من وكلته على قبض مال فقال: قبضته وضاع مني، لا يبرأ الدافع إلا ببينة إن دفع إليه، أو يأتي الوكيل بالمال إلا أن يكون الوكيل مفوضا، لأن الأصل: بقاء الدين عنده، أو وصيا بخلاف وكيل مخصوص، لقوة التفويض العام يقتضي إباحة الإذن للناس، والقاعدة: أن الدافع إلى غير الذي دفعت إليه فعليه البينة أصله: قوله تعالى في الوصي: (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم). فرع في الكتاب: إذا ثبتت دعواك الأرض بموجبها والذي هي بيده يحفرها منع من الحفر ووقفت، وليس له ذلك ولو قال: إن ثبتت لغيري هدمت، لأنه حينئذ يتصرف فيما ظاهره لغيره، وقال غيره: إذا قامت بينة غير قاطعة في أرض امتنع بيع الذي هي بيده، لأنه غرر. فرع قال: إذا ادعيت عينا قائمة بيد رجل، فلا بد أن تشهد بينتك مع الملك بأنك ما بعت ولا وهبت ولا خرجت من ملكك، ولا يقضى بها مع ذلك حتى تحلف على البت: ما بعت ولا وهبت ولا خرجت من ملكك بوجه من الوجوه، وليس عليك بينة بأنك ما بعت ولا خرجت من ملكه، لأنها شهادة على نفي غير محصور. قاعدة: شاع بين الفقهاء أن الشهادة على النفي غير مقبولة، وفية تفصيل مجمع عليه، وهو: أن النفي المحصور تقبل الشهادة فيه، كالشهادة على هذا البيت ليس قبلي، فإنه معلوم النفي بالضرورة، وكذلك غير المحصور إذا علم بالضرورة أو النظر، كالشهادة على نفي الشريك لله تعالى، ونفي زوجية الخمسة، فهذه ثلاثة أقسام، تقبل الشهادة فيها على النفي إجماعا، أما غير المحصور وغير المعلوم نحو: ما باع زيد وما داين فهو غير محصور، فهذا مراد العلماء بينة، فقد صرح فيما تقدم أن النصاب إذا كمل لا يحلف معه، وها هنا ألزمه الحلف، والقاعدة خلافه أن من كمل سببه لا يحلف، إنما يحلف لكمال السبب مع الشاهد الواحد، أو الدفع كيمين المدعى عليه ليبرأ، وإنما يحلف في الدعوى على الميت والغائب لعدم من يقدح في البينة، فجعل عوض ذلك تحليف الطالب، ورأيت بعض الفقهاء يقول: هذه محمولة على أنه ادعى على غائب فعلى هذه وإلا فهي مشكلة، فتأمل ذلك. فرع قال: من قضي له بحق من ميراث أو غيره لا يؤخذ منه كفيل، وذلك حوز لكمال سبب الملك، والأصل: عدم معارضته. فرع قال: إذا ادعى أحد المتفاوضين على رجل دينا من شركتهما، ليس للمطلوب أن يحلف على حصة الطالب وحده، بل على الجميع، لأن فعل أحدهما كفعلهما، فإذا حلف هذا ثم أتى صاحبه، لم يكن له أن يحلفه، لأنه قد حلف لشريكه، ولو وكلت في قبض مالك على فلان فجحده فحلفه، لم يكن لك تحليفه، قال ابن يونس: كلا المتفاوضين وكيل لصاحبه في التحليف، قال بعض القرويين: ليس عليه الحلف في الجامع إذا ادعى عليه بثلاثة دراهم: لأن كل واحد إنما يجب له درهم ونصف، ولو ادعى عليهما ثلاثة دراهم، حلفهما في الجامع، لأن على كل واحد درهم ونصف، وهو كفيل بالباقي، فالثلاثة على كل واحد منهما. فرع إذا ثبت دين لميت فادعى المطلوب القضاء حلف من يظن العلم من الورثة الرشداء على علمهم دون من لم يظن به ذلك، ودون الصغير، ومن نكل منهم سقطت حصته فقط. فرع في الجواهر: إذا قال: أبرأني موكلك الغائب؛ قال ابن كنانة: يحلف الوكيل: ما علم ذلك، ويقبض الدين ولا ينتظره، إلا أن يكون قريبا على مثل اليومين، فيكتب إليه فيحلفه، وقال ابن القاسم: لا يحلف الوكيل وينتظر الموكل. فرع قال: المسترق إذا ادعى أنه حر الأصل صدق مع يمينه، إلا أن يكون بيد حائز له حوز الملك، لأن اليد ظاهرة في الملك، فإن ادعى الاعتاق فعليه البينة، لأن الأصل: عدمه، والصغير المعرب عن نفسه يدعي الحرية، فإن تقدمت لمن هو بيده حيازة وخدمة لا يصدق أو متعلقا به لا يعلم فيه خدمة ولا حيازة صدق، لأن الحرية هي أصل ابن آدم. فرع قال ابن القصار: إذا تنازعا دارا ليست في أيديهما وأقام كل واحد منهما بينة أن الدار كلها له: قال ابن القاسم: الدار بينهما بعد أيمانهما، وقاله (ح)، وروي عن مالك: يوقف الحكم فيها إذا تساوت العدالة، وعند (ش) أقوال: أحدها: الرواية الثانية، وثانيها: الأولى، وثالثها: يقرع بينهما، وقاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. لنا على المشهور: ما رواه تميم بن طرفة الطائي (أن رجلين تنازعا شيئا وأقام كل واحد منهما بينة، فجعله النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما نصفين)، ولأن اليد حجة، وإذا تقابلت اليدان يقسم، فكذلك إذا تقابلت البينتان، ولأن إعمال الحجتين كل واحدة منهما من وجه، أو لأن إلغاءهما كالعمريين إذا تعارضا؛ وجه القول الآخر بالوقف: أن الحاكم قد غلب على ظنه أن الدار لأحدهما، ولم يظن عينه لعدم المرجح، فهو كما لو قامت البينة أن الدار لأحدهما ولم يعين المالك، فإنه لا يسمع شهادتهما، ولأن الأصل: أن لا يحكم إلا بسالم عن معارض ولم يوجد. فرع قال أشهب: إذا ادعى كل واحد منهما أنها في يده لم يصدقا إلا ببينة، فمن أقامها باليد أو بالملك قضي له بذلك، فإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما، فإن استوتا ولم يكن في شهادة كل بينة أنها ليست في يد الآخر، جعلتا في يديهما نصفين في أيديهما، فإن شهدت كل بينة أنها في يد هذا دون الآخر سقطتا إن استوتا، وبقيت على ما هي عليه، والا قضي بأعدل، وإن شهد أحدهما أنها لزيد والآخر أنها في يد عمرو قضي بها لزيد، وإن لم يقيما بينة فلا يستحلف أحدهما للآخر أنها ليست في يده إلا أن يكونا جميعا في الدار، وقد أقام كل واحد بينة أنها في يده دون غيره، فيحلف كل واحد أنها في يديه دون الآخر، فإن حلفا عدل مخالف. تنبيه: اليد ما... فأعظمها ثياب الإنسان التي عليه. ونعله ومنطقته، ويليه البساط الذي هو جالس عليه، أو الدابة التي هو راكبها، ويليه الدابة التي هو سائقها وقائدها، ويليه الدار التي هو ساكنها، فهي دون الدابة لعدم الاستيلاء على جميعها، قال بعض العلماء: فيقدم أقوى اليدين على أضعفهما، فلو تنازع الساكنان الدار: سوي بينهما بعد أيمانهما، أو الراكب مع الراكب والسائق، قال: يقدم الراكب مع يمينه. فرع قال: أشهب: إذا كانت بيد رجل فادعاها آخر، وأقام البينة أن اباه مات وتركها ميراثا منذ سنة، لا يعلمون له وارثا غيره، وشهدت بينة صاحب اليد لمثل ذلك، قضي بالأعدل، فإن استويا بقيت لذي اليد وليس بقضاء، قال سحنون: فلو لم يقم صاحب اليد بينة، وأقام اثنان بينتين تساقطتا وبقيت لذي اليد، قال أشهب: إذا تعارضت بينة ذي اليد والخارج قضيت بأعدلهما، فإن استوتا قضيت لصاحب التوقيت، فإن وقتتا فلأولهما توقيتا، فإن لم يوتيا وبينة ذي اليد شهدت أنه أعتقه، أجيز العتق، ولا يرد حتى يقيم الذي بيده البينة أن العتق بعد ملكه إياه، وقال بعض أصحابنا: إذا قال صاحب اليد: هي لزيد، فقضي بها له ويقيم بينته، ويقيم مدعيها بينة لا يكون ذو اليد أولى لأنها صارت في يديه بدعوى المدعي. تنبيه: اليد إنما تكون حجة إذا جهل أصلها، أما إذا كانت بغصب او عارية أو غير ذلك مما يعلم أنها لم تنشأ عن ملك فلا تعتبر في الترجيح. فرع قال: فإذا استوتا في اليد على عبد قضي بالأعدل، فإن استوتا فحينئذ ارجح بالعبد إن كان كثيرا فهو لمن اعترف له، ومتى جاء الآخر بالأعدل قضي به للآخر والغي الإقرار من العبد، وكذلك إذا ادعياها في يد ثالث، فإقرار الثالث بالعارية من إحدهما مرجح عند عدم البينة، أو تعادلها بعد يمينه في التكافي، وبغير يمين عند عدم البينة، ولا يمين على المقر، لأنه لو رجع عن الإقرار لم يصدق. فرع قال: إذا ادعياها في يد ثالث، وقال أحدهما: أجرته إياها، وقال الآخر: أودعته، صدق من علم سبق كرائه أو ايداعه، إلا أن تشهد بينة للآخر أنه فعل ذلك بحيازة عن الأول وحضوره، ولم ينكر، فيقضى له، وإن جهل السبق قسم بينهما، قاله أشهب، فلو شهدت بينة أحدهما بغصب الثالث منه، وبينة الآخر الثالث أقر له بالإيداع قضي لصاحب الغصب لتضمين بينة اليد السابقة. فرع قال: إذا كانت دار في يد رجلين وعبد لأحدهما ادعاها الثلاثة، قسمت بينهم أثلاثا إن كان العبد تاجرا وإلا بنصفين، لأن العبد في يد مولاه، أو في يد عبد واحد فتداعياها لأنفسهما فهي بينهما نصفان، ولو أقر بها العبد الساكن معه فادعاها مولى العبد لنفسه أو لعبده، تحالفا وأخذ الحر النصف والعبد أو مولاه النصف، لأن إقرار العبد بما في يده لا يقبل إذا نازعه السيد، وإن كانت في يد حر وعبدين تاجرين أو غير تاجرين وادعاها العبدان سيدهما والحر لنفسه، أو ادعاها كل لنفسه، قسمت بينهم أثلاثا لتقابل الدعاوى، وإن كان السيد معهم في الدار، وهما غير مأذونين لقسمت بينه وبين المدعي لنفسه نصفين، ولم يكن للعبدين دفع السيد، لأنهما ماله، وكذلك لو كان معه في الدار عيال له أو أضياف، لم ينظر إلى عددهم ودعواهم، لأن يدهم ليست مستفادة من يده، فإن كانوا أربعة، أحدهما يدعيها لنفسه، والباقون للذي ليس معهم فالربع لمدعيها لنفسه، والباقي لمن ادعاها الباقون له، ولو كان معهم في الدار قسمت بينهم نصفين، ولو قال الثلاثة: أكراها منا وهي له لقسمت على أربعة كان معهم في الدار أم لا، لأن الكراء أوجب لهم يدا فيها، والذي ثلاثة ارباعها. فرع قال: قال أشهب: إذا قضي لك ببينة ثم ادعاه آخر ببينة قضي بأعدلهما، أو يقسم بينكما إن استوتا بعد أيمانكما، فإن نكل أحد كما قضي للحالف، فإن نكلتما قضي للذي انتزع من يده، فإن اقتسمتما في تكافيء البينتين، ثم أقام أحدهما بينة أخرى أعدل من بينة صاحبه الأولى قضي له لمزيد العدالة، أو مثل الأولى أو دونها أقرت بينكما نصفين، ولو قضي لك بميراث من ادعيت الولاء عليه بالبينة، ثم ادعاه نظر في حجته، ومن حجته أن يقضى لمن أعتق أولا، وإن كانت بينة الآخر أعدل، لأن التاريخ أقوى، وإن جهل التاريخ قضي لأعدلهما، وإن استوتا صار كما لا شهادة فيه، فيبقى تحت يد من كان تحت يده. فرع قال: قال عبد الملك: قلت هي لي، وقال صاحب اليد: بل النصف، حلف صاحب ليد: مالك إلا النصف، وإن كانت بيد غيركما، تحالفتما ولك ثلاثة أرباعها، وله ربعها، لوقوع التداعي في أحد النصفين فلك نصفه، وقال مالك: لك ثلثاها لأن القسمة على الدعاوى تضرب أنت بسهم، وهو بسهمين، قال مالك: وكذلك إن أبضعت مع رجل دينارا وآخر دينارين فخلطتهما فضاع دينار، اقسمتما الباقيين أثلاثا، وقال ابن ابي سلمة: أحدهما بينكما نصفان، والآخر لصاحب الدينارين، قال ابن القاسم: إن ادعيت الدينار، وآخر الثلثين، والآخر النصف وتكافأت البينات، أو لا بينة بينهم فلمدعي الجميع ثلثها لأنه لم يدعه أحد، والسدس بين مدعي الكل ومدعي النصف نصفين، ونصف السدس بين مدعي الكل ومدعي النصف ومدعي الثلث أثلاثا، والربع بين جميعهم، وقال أشهب: إذا ادعيت الكل وادعى النصف وهو في أيديكما، هو بينكما نصفان، لتساويكما في الحيازة، وقيل: يقسم مثل هذه على عول الفرائض، وإن قال أحد الشريكين: لي ثلث المال، وقال الآخر: بل النصف، فالذي ثبت عليه ابن القاسم: لمدعي الثلثين النصف، ومدعي النصف الثلث، والسدس بينهما نصفان، وقال أشهب: يقسم نصفين إذا حلف. فرع قال: دار في ايديكما ادعى أحد كما جميعها والآخر نصفها، وفي يد كل واحد منكما منها بيت وحده، والبيت الذي لمدعي النصف بينهما نصفان، لأنه أقرار لصاحبه فيه النصف، والساحة بينهما نصفان، قال سحنون: وليست كالدار التي بأيديهما جميعا، لأن كل شيء منها في أيديهما، وهذه بيد كل واحد منها شيء ليس بيد صاحبه، قال اشهب: فإن لم يكن فيها غير البينتين إلا أن يكون جميع الدار في أيديهما، وكل واحد منهما في منزل منها، فيكون المنزلان كما تقدم، وبقيت الدار بينهما نصفان لعموم الحوز، ومتى استويا في حوز دار أو عبد فادعى أحدهما أكثر من النصف حلف له الآخر ليس إلا. فرع قال: قال أشهيب: دار ببلدكم على أحدكم لي ثليها، ولصاحبي ثلثها، ولا شيء لللآخر وقال الآخر: لي نصفها ولصاحبي نصفهاولا شيء للآخر، فهي بينكم أثلاث، فلو قال أحدكم: للآجنبي فلان نصفها، ولي نصفها، ولا شيء لكما، لي ثلثها وللأجنبي ثلثاها، وقال الآخر: لي ثلثها وللأجنبي ثلثها لدفع الأول له نصف ما في يديه، ومن قال: له ثلثها، أعطاه ثلث ما في يديه، ومن له ثلثها أعطاه ثلثيها، ولو قال رجلان: لي الثلثان ولزيد الثلث، وقال الآخر: لي ثلثه ولزيد ذلك الرجل بعينه ثلثاه لا شيء لزيد، لأن كل واحد إنما أقر بما في يد صاحبه إلا أن يكونا عدلين فيحلف مع كل واحد منهما يمينا ويأخذ الجميع. فرع قال: قال أشهب: سلفها بيدك وعلوها بيده، وطريقه في ساحة السفل، فتداعيتما كل واحد جميع الدار، فلك الدار إلا العلو وطريقه، فهو لصاحب العلو بعد أيمانكما أو نكولكما، لأن يد كل واحد ما قضي له به، ويقضى بأعدل بينتيكما، فإن استوتا بقي لكل واحد ما في يده. فرع قال: قال أشهب إذا تداعيا جدارا متصلا ببناء أحدهما، وعليه جذوع الآخر، فهو لمن اتصل ببنائه، ولصاحب الجذوع موضوع جذوعه، لأنه حوزه، ويقضي بالجدار لمن إليه عقود الأريطة، والآخر بموضع جذوعه، وإن كان لأحدهما عليه عشر خشبات، وللآخر خمس خشبات ولا ريط ولا غير ذلك، فهو بينهما نصفان لا على عدد الخشب وبقي ما تحت الخشب منها بحالها، وإذا انقسم خشب أحدهما رد مثل ما كان ولا يجعل لكل واحد ما تحت خشبة منه، ولو كان عقده لأحدهما من ثلاثة مواضع، وللآخر من موضع، قسم بينهما على عدد العقود، وإن لم يعقد لواحد منهما ولأحدهما عليه خشب معقودة بعقد البناء أو متقوية بعقد لبناء يوجب ملك الحائط، وقيل: لا يوجبه: وفي المقربة نظر، لأنها طارئة على الحائط والكوى، فعقد البناء يوجب الملك، وكوى الضوء المنفوذة لا دليل فيها، قال ابن عبد الحكم: إذا لم يكن لأحدهما عقد، وللآخر عليه خشب ولو واحدة، فهو له، وإن لم يكن إلا كوى غير منفوذة أرحمت الملك، وإن لم يكن إلا حظير قصب لأحدهما فله الملك والقـ والطوب سواء. فرع في الجواهر: قال: من أقر لغيره بملك، ثم ادعاه لم تقبل دعواه حتى يدعي تلقي الملك من المقر له. فرع قال: إذا ادعى الابن الإرث، وادعت زوجة أبيه أن أباه أصدقها ذلك أوباعه لها، قدمت بينتها. فرع في النوادر: قال أشهب: ادعيت الشراء بمائتين منه والنقد، وأدعى آخر الشراء بمائة وأنه نقد، فإن وقتت البينتان فهي للأول والآخر، كل منكما في أخذ نصف الدار ونصف الثمن الذي نقد، أو جميع الثمن وإن قال كل منكما: شراه قبل الآخر حلفتما وسئل البائع: أيكما الأول، فإن قال: صاحب المائتين وجب للبائع الثمن كله، ولي عليه نصف قيمة الداريوم زعم أنه باعها من الآخر، وإن قال: ما أعرف الأول، أو ما بعت من واحد منهما اقتسماه نصفين، ورجع كل واحد بنصف ثمنه، وإن شاء ردها وأخذا ثمنيهما، وإن رداها فللبائع إلزام أيهما أيهما شاء، فإن قال أحدهما: أخذت نصفها فنصف ما دفع، وقال الآخر: أرد، فذلك لهما، وإن وقتت أحدى البينتين دون الأخرى قضي بالتوقيت. فرع قال: قال ابن عبد الحكم: شهد شاهد بملكه لزيد، وشهد شاهد أن زيدا اقر به لعمرو، وهو بيد ثالث، حلف زيد وأخذه، ثم يحلف عمرو على إقرار زيد مع شاهده ويأخذه منه، فإن قال زيد: لا أحلف، أو قال: ليس هو لي لأن اعتبار الإقرار متوقف على ثبوت ملك زيد ولا يحلف أنه لزيد، لأنه لا يثبت ملك زيد بيمين عمرو، وليس كيمين الغرماء في دين الميت إن نكل ورثته لثبوت أصل حقهم. فرع قال: قال ابن وهب: إذا شهد لك أن الذي في يده غصبه منك، وأقام هو بينة أنه اشتراه منك، قدم الشراء لأنه مزيل للغصب، ولو شهد لك برهنه عنده ولم توقت البينتان ففي كتاب ابن سحنون: يقدم الشراء إلا أن يثبت تأخير الرهن فيعلم وجوعه لك، وقاله ابن القاسم، وقيل: يقضى بأعدلهما، إن لم تكن لكما بينة صدقت مع يمينك، لأنه أقر لك بالملك وادعى الشراء، وكذلك في تكافىء البينتين. فرع قال: قال ابن القاسم: ولدت أمتك ابنين فاشترى أحدهما ولأعتقه وتركه عند أمه فمات أحدهما فادعى أن الحى عتيقه، وقلت: بل الهالك، صدقت. لأن الأصل: بقاء ملكك على هذا. فرع قال: قال أشهب: من بيده صبي أقام آخر عليه بينة أنه ابنه، وقامت بينة أخرى على إقرار من هوبيده انه ابنه، قضي لمن شهد له أنه ابنه، إلا أن تكون بينة تشهد بإقرار أيضا فيلحق نسبه بمن هو بيده، لأن من أقر بالولاء لرجل ثم طلب نقله عنه لم يكن له ذلك، فإن اقام آخر بينة أنه مولاه فهو أحق به لشهادته بزيادة. فرع قال عبد الملك: إذا تداعيا امرأة بيد أحدهما قدمت بينة أولها وقتا، فإن لم يؤرخا، أو اتفق التاريخ: قضي لمن هي في يده، قال ابن القاسم: إن كانت لأحداهما أعدل والمرأة مقرة لأحدهما أو منكرة فسخ النكاح بطلقة، بخلاف البيوع، وقال محمد: لا ألزم الطلقة من تزوجها منهما الآن قبل أن ينكح أحد، لاحتمال أنه الزوج، وقال سحنون: يقضى بأعدلهما، فإن استوت لم يكن الفسخ طلاقا لأنه لم يثبت نكاح، ومن اصاب بينة بعد ذلك فله القيام. فرع إذا ادعى صبيا نصراني ومسلم لم يولد عندهما، فقال النصراني: هو ابني، وقال المسلم: عبدي، يقوم على النصراني ويكون عتيقا، ولا يلحق به نسبه، ولما قال: هو ابني فقد أقر أنه حر. فرع قال: قال أصبغ: قالت بينة المسلمة: مات مسلما، وأخته النصرانية: مات نصرانيا، فقد تداعيا النصف فيقسم بينهما بعد أيمانهما، والنصف الآخر لبيت المال، فإن قال الابن المسلم: مات مسلما، وقالت البنت النصرانية: بل نصرانيا، فللبنت الربع لأنها تدعي النصف، وللابن ثلاثة أرباع لأنه يدعي الكل، ولو تأخر قسم التركة، ثم وجد في الأولاد مسلم فقال: أسلمت بعد الموت، وقالوا: قبله فلا يستحق، فعليه البينة، قاله ابن القاسم، لأن الأصل: أن لا يرث المسلم الكافر، وقال ابن عبد الحكم: القول قوله، لأن الأصل: عدم التقدم، والأصل: ميراثه من أبيه، فهو على وفق الأصلين، وقال أشهب: إن أقرا أن أباهما مات مسلما وفي يدهما دار، وقال أحدهما: أسلمت وإني مسلم، وصدقه أخوه، وادعى الآخر ذلك فكذبه أخوه، وقال: بل اسلمت بعد، فهي للمسلم الذي اجتمعا عليه، وعلى الآخر البينة، وكذلك إذا تنازعا في الحرية، وهذا إذا لم تطل حيازتهما للدار ما تكون حيازة على الآخر، ولو ادعى الكافر أن أباه مات كافرا، وقال المسلم: مات مسلما، حلف كل على دعواه، وقسم بينهما، ولو قال الأولاد المسلمون: مات مسلما، وقال الأبوان الكافران: بل كافرا، فكل فريق يدعي الجميع، فيحلف على دعواه ويرثون كلهم، قال سحنون: وهذا إذا كان الأبوان غريبين لا يعرف أصلهما، وإلا صدقا، لأن الأصل في ابن النصراني أنه نصراني، وإذا قال رجل: هذا الميت ابني، وهذا أخي، وأنا مسلم، وهو مسلم، وادعى نصراني أنه أبوه، والصغير أخوه وأنه نصراني، فعل بالميت ما فعل بالمسلمين، وإن كان له تركة بأيديهما أقتسماها بعد أيمانهما، ووقف ثلث ما بيد كل واحد منهما، فإن كبر الصغير وادعى الإسلام أخذ ثلث ما أقر به المسلم، أو النصراني أخذ ثلث ما بيد النصراني بعد يمين المنكر، وإن لم يعلم أنهما والده كلفا إثبات النسب إلا أن يكون المال بأيديهما، وإن كانوا ثلاثة أحدهم نصراني ادعى أحد المسلمين موته مسلما، والنصراني أنه مات كافرا ووقف أحد المسلمين، فقد اعترف المسلم المدعي أنه لا يستحق إلا النصف، والنصراني يدعي جميع المال ولا منازع له في النصف، ويقسم النصف الآخر بينهما بعد أيمانهما، فيقسم الربع وثلاثة أرباع، ولا شيء لغير المدعي، وإن كانوا نصرانيين وكافرين، وتداعى الفريقان، قسم أرباعا بعد أيمانهم، فإن نكل أحد الفريقين فجميعه للفريق الحالف، وإن نكل واحد من كل فريق فنصيبه للذي معه إن حلف، فلو رجع أحد المسلمين وأحد الكافرين بعد أن قبضوا، فالراجع أولا يسلم حقه للطائفة الأخرى، فإن رجعا معا فالراجع يسلم لمن لم يرجع من الفريق الآخر، لأنهما لو نكلا قبل القسم كان المال بين الحالفين من كل فريق نصفين، وإن قال ابن نصراني: أبوه كان نصرانيا، وقالت ابنته: كان مسلما، ولهما أخت صغيرة، فهو مقر للصغيرة بالثلث، والكبيرة المسلمة تقر للصغيرة بالثلث والكبيرة، فتأخذه، والتداعي في الثلث فيقسم بين الكبيرة، وللذكر الثلث الذى يصير للكبيرة، لأنها يقول في الثلث، والثلث للعصبة، فيصير للذكر الثلث، وللعصبة السدس، وللكبيرة السدس، إن كان العصبة على دين البنت، وقدم في اختلاف الشهادات بعض هذا. فرع قال: قال أشهب: أشهد إن مات من هذا المرض فهذا العبد حر، وقال العبد: مات من مرضه، وقال الوارث: صح منه، صدق الوارث مع يمينه، لأن العبد يدعي الحرية، قال محمد: إن شهدت بأنه أوصى في مرضه صدق العبد، لأن الأصل: عدم الصحة، فإن اقاما بينتين قضي بالأعدل، ولو قال: إن مت من هذا المرض، فميمون حر، إن برئت فمرزوق حر، فتنازع ميمون ومرزوق الصحة والمرض، وصدق الوارث مرزوقا على الصحة، صدق الوارث مع يمينه، ولا قول لمن أخذ به لأنه مرجوح به، وأن أقاما بينتين قضي بالأعدل، وإن استوتا عتق من كل واحد النصف، قال محمد: وذلك إذا لم يغيبوا غيبة يمكن فيها صحة، وقال أصبغ: تقدم شهادة الصحة لأنها زيادة. فرع قال ابن نافع: إذا شهدت بالبيع بعشرين، وشهدت أخرى للمبتاع أنه باع بعشرة، قضي بالزيادة، وكذلك الطلاق، وقال أشهب: إن اتفقوا على اتحاد المجلس قضي بالأعدل وإلا سقطتا وتحالفا وتفاسخا. فرع قال: قال: سحنون: إن قال أحد الشاهدين لك فلان فعل، وشهد بحنطة زرعها، إنها شهادة واحدة، فإن ادعيت أحدهما حلفت معه، وإن ادعيت الشهادتين بطلتا للتكاذب. فرع قال: قال ابن دينار: إن شهد ثلاثة أنه أوصى لك بمائة، واثنان أنه أوصى بخمسين، ولزيد بخمسين، فلك ثلاثة أرباع المائة، ولزيد ربعها لاجتماعهم على خمسين، والتداعي في خمسين، فإن شهدت بمائة لك، وبخمسين لزيد، وشهدت الآخرى بأن الخمسين لك، والمائة لعمرو، قسم الجميع نصفين بينكما، ولو شهدت أنه ذبحه، وأخرى أنه غرقه سقطتا، لأنها أفعال مختلفة، ولا يقسم على إحداهما إلا أن يدعيها دون الأخرى. فرع قال: قال ابن القاسم: إذا ثبت عليه ألف دينار فأتى ببراءة، وبراءة بألف فأكثر، وقال المدعى منها ولا تاريخ، صدق مع يمينه لأن الأصل: عدم حق آخر، وضعفه سحنون اليمين، بل يصدق، قال ابن القاسم، فإن أثبت اقرارك بخمسمائة، وأقام بينة أخرى أنك قبضت خمسمائة، وادعيت التداخل، وادعى التباين، صدقت مع يمينك، إلا أن تكتب عليك براءتين، لأن الكتابة لا تكون إلا مع التباين، أو في براءة ألف مائة فيها وحدها، بريء مع يمينة وإلا قال ابن القاسم: ولو اقررت بقبض مائة، فأقام بينة بقضائك مائة، فقلت: هي التي اعترفت بها، وقال: غيره، صدق مع يمينه، وقال عبد الملك: تصدق أنت مع يمينك، لأن الأصل: بقاء الدين والجمع بين الشهادة والإقرار ممكن، وقد جعل أصحابنا الإقرار في مجالس واحدا بخلاف البراءات. فرع قال: قال سحنون: إذا شهدا أنك قلت: إن دخلت الدار فعبدي حر، وشهداهما أو غيرهما بالدخول، عتق، وإن شهد بالدخول واحد حلفه وبرىء، وإن شهد باليمين واحد، يالجنب إثنان، أو أقر به وأنكر اليمين، حلف أنه ما حلف وبريء، ولو شهد واحد باليمين وواحد بالفعل، لم يحلف لعدم موجب الحنث، ولو كان على أحد الأمرين شاهدان، وعلى الآخر شاهد لم يبرأ إلا بشاهدين سبب اللزوم فيلزم اليمين، قال محمد: ولو شهد بالحلف والحنث واحد حلفته. فرع قال، قال أشهب: إذا جحد الوديعة، ثم ادعى ردها لم تسمع ببنته لأنه كذبها بالجحد، وكذلك الدين، قاله مالك، قال عبد الملك: وكذلك القراض والبضاعة إذا جحده ثم ادعى تلفه: وذلك إذا قال: ما كان ذلك، أما إذا قال: ما لك عندي منه شيء، نفعته البراءة، لأن لفظه محتمل، والرسول يجحد أصل الرسالة، ثم يعترف ويدعى التلف، قال مالك: يحلف بالله ويبرأ، وكذلك القراض، وعن مالك: إن جحد حتى قامت البينة لم يصدق في الضياع، وقال ابن القاسم: إذا جحد القراض، ثم ادعى الرد ضمن، بخلاف الضياع، وقال مالك: يحلف في الوجهين ويبرأ، وقال ابن كنانة: إذا ادعيت عليه مالا فجحدك، ثم أتى ببينة بالرد، لم ينفعه إلا أن يأتي بوجه عذر، وإن ادعيت أيضا حازها عشرين سنة فأنكر، فأقمت البينة، فأقام هو أيضا بينة أنه اشتراها من ابنك، نفعه، لأنه يقول: رجوت أن تنفعني الحيازة، بخلاف الدين، وقال أشهب: لو قتل الموصى له الموصي عمدا، وشهدت بينته فصدقها بعض الورثة فيأخذوا نصيبهم من الوصية، ومن كذبها لم يأخذ، وكذلك الوارث إذا قتل فصدق البعض بينة دون البعض، وأقر الموروث بدين لبعض الورثة فصدقه بعضهم: قال سحنون: إذا ادعاها ميراثا، ثم أقام بينة أن اباه باعها له لم يسمع، لأنه كذبها بدعواه، ولا ينفعه قوله: كنت أجهل البينة الأخيرة، وإذا قلت: ليس لي عنده إلا ألف درهم، فأقمت بينة بألفين بطلت إلا أن يقول: كنت أبرأته من ألف، ونحو ذلك، قال محمد: ولو جحدك البيع فأقمت بينة بالبيع بخمسين دينارا لم تنفعه بينة بثمن أكثر، وإن اقر الوصي لليتيم بعشرة وجحد خادما، ثم أتى ببراءة بعشرين وقال: دخل فيها ثمن الخادم، يقبل منه في الخادم، وقال محمد: لا يقبل، لأنه كذب نفسه، ومن كتب صكا بقرض، ثم أقام بينة أنه قراض، لزمه إقراره القرض إلا أن يقيم بينة على إقرار الطالب، لأن الطالب يؤاخذ بإقراره كما يؤاخذ هو بإقراره، قاله سحنون، وخالفه ابنه، وقال: تنفعه بينته. فرع قال: قال ابن القاسم: إن أتيت بذكر حق بمحو وشهدت بينتك، فقال: قضيته ومحاه، يلازمه وتحلف أنت ما قضاه، فإن قلت: أنا محوته وظننت أنه قضاني، حلف هو وبرىء لإقرارك بمحوه. فرع قال: قال ابن عبد الحكم: إذا قضاك لم تجبر على أعطاء الصك، بل تكتب له براءة، كان في الموضع من يكتب الشروط أم لا. فرع قال: إن قلت: أعطني ثمن الثوب، فقال: وكلتني في بيعه، صدقت مع يمينك بنفي الوكالة لا بالبيع فتطلب بالقيمة، لأن الأصل: عدم الإذن. فرع قال: قال مالك: إن قلت: اشتريتها لك، فلك طلبه بالثمن إن قبضها، ولم تنقد، وإن نفدت صدق في جميع الثمن اليك، لأن الأصل: عدم إسلافك إياه، قال سحنون: إلا أن تشهد عند الرفع أنك تعطي من مالك، فتصدق مع يمينك. فرع قال: قال سحنون: إذا احتله بألف على ألف وقام بالإستحقاق فإن كان المحال يشبه أن يكون ذلك له قبلك صدق مع يمينه، قال ابن القاسم: ولو أمرته يدفع عنك مالا ففعل وقلت: كان لي دينا وأنكر، صدق مع يمينه، لأن الأصل: عدم دينك عنده. فرع قال: قال أشهب: إن مات أحد الشريكين صدق أحدهما أن للميت معه السدس فيما في يده. فرع قال: قال أشهب: إن قلت: بعتك هذا العبد ودبرته وأنكر، لزمك التدبير، وتأخذ الثمن من خدمته الذي يدعي، إلا أن يقر فتعطيه ما بقي منه، فإن استوفيت بقي مدبرا مؤاخذة لك بإقرارك، فإن مت وهو يخرج من ثلثك عتق وإن كان عليك دين. فرع قال: قال أشهب: إن أبضعت ثلثمائة، دينار مع ثلاثة في شراء جارية فأتوا بها فزعم اثنان: أنهم اشتروها على صفته بمائة، وقال الثالث: بثمانين: وهو كلهم عدول، أخذت من الاثنين تسعة وستين إلا ثلثه. ومن القائل بثمانين، ثلاثة وثلاثين وثلثا، ولم ير شهادة الاثنين شهادة. فرع قال سحنون: إذا نسجت المرأة الثوب فادعاه زوجها فيقول: الكتان لي، وتقول المرأة: إنه لها، أو إنها غزلته من كتانها، قال ابن القاسم: هي أولى بما في يدها مع يمينها، إلا أن تقر أن الكتان للزوج فيكونان شريكين في الثوب بقدر ما لكل واحد منهما. فرع قال مطرف: تأخر ذكر الحق عشر سنين لا يبطله، وإن قسمت التركة وهو حاضر لم يعلم بطل، إلا أن يعتذر بغيبة بينة، أو قال: لم أعرفهم، او لم أجد الكتاب أو للورثة سلطان، فيحلف: ما ترك القيام إلا لذلك، فإن نكل حلف الوارث: ما يعلم لك حقا قبل وليه، فإن نكلوا غرموا. فرع قال: قال مطرف: إذا باع أجير عند فراء بمحضره فروا فقال: هو لي، إن كان مثله يعمل لنفسه وهو أجير، صدق مع يمينه. تنبيه: مسائل أثبتت على خلاف الظاهر. إذا ادعى البر التقي على فاجر غاصب لم يقبل قوله، وإذا ادعى الفاجر على التقي حلفناه، أو أتت المرأة بولد لدون خمس سنين بحق الزوج، أو يولد لستة أشهر مع قدوته، ولو زنت ثم تزوجت وأتت بولد لتسعة أشهر من يوم الزنا، ولستة من يوم الزواج لحق بالزوج وإن أنكر الوطء مع ظهور صدقه بالظاهر والأصل، ولكن الزوج متمكن من دفعه عن نفسه باللعان، والمقر بمال عظيم قيل: يلزمه اقل ما يتمول، والحالف بالقرآن، تلزمه الكفارة إن حنث مع أن القرآن ظاهر في اللفظ المحدث. تمهيد: إذا ادعى خصم من مسافة العدو فما دونها وجبت الإجابة، لأنه لا تتم مصالح الأحكام وإنصاف الظالمين من المظلومين إلا بذلك، فإن لم يكن له عليه حق لم تجب الإجابة، أوله ولكن لا يتوقف على الحكام وهو قادر على ادائه، لزمه أداؤه، ولا يجب عليه الإجابة، ويجب عليه الإمتناع لاسيما في الدماء والفروج والحدود وسائر العقوبات الشرعية، فإن كان الحق موقوفا على الحكام كأجل العنين يخير الزوج بين الطلاق ولا تجب عليه الإجابة، وبين الإجابة وليس له الامتناع منهما، وكذلك الفسوخ الموقوفة على الحكام، وإن دعاه إلى حق مختلف في ثبوته، وخصمه يعتقد ثبوته وجب، أو عدم ثبوته لم يجب، لأنه مبطل وإن دعاه الحاكم وجبت، وإن طولب بحق وجب عليه على الفور كرد الغصوب وجب اداؤه في الحال، ولا يحل له أن يقول: لا أدفعه إلا بالحاكم، لأن وقوف الناس عند الحاكم صعب، وأما النفقات فيجب الحضور فيها عند الحكام لتقريرها إن كانت للأقارب، وإن كانت الزوجة أو الرقيق يخير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق أو الإجابة. فرع قال بعض العلماء: إذا ألزم المدعى عليه بإحضار المدعى به لتشهد عليه البينة فإن ثبت الحق فالمؤنة على المدعى عليه، لأنه مبطل صلح كذلك، وإلا فعلى المدعي، لأنه مبطل في ظاهر الشرع، ولا تجب أجرة تعطيل المدعى عليه في مدة الإحضار، لأنه حق للحاكم لا تتم مصالح الأحكام الابه. نظائر: خولفت قاعدة الدعاوى في قبول المدعي في خمس مسائل: أحدها: اللعان يقبل فيه قول الزوج، لأن العادة أن الرجل ينفي عن امرأته الفواحش بحيث أقدم على رميها بها مدمة (كذا) الشرع مضافا إلى الأيمان والدعاء على نفسه باللعن وهو أشد البعد من الله تعالى. وثانيها: الأمة يقبل فيها قول الطالب لمن (كذا) حجه باللوث. وثالثها: قبول قول الأمناء ليلا يزهد الناس في قبول الأمانات فتفوت المصالح المترتبة على حفظ الأمانات. ورابعها: قبول قول الحكام فيما يدعونه من الجرح والتعديل وغيرهما من الأحكام ليلا تفوت المصالح المترتبة على ولاية الأحكام. وخامسا: قبول (قول) الغاصب مع يمينه في تلف المغصوب للضرورة الخاصة ليلا يخلد في الحبس، ثم الأمين قد يكون أمينا من جهة مستحق الأمانة، أو من قبل الشرع كالوصي والملتقط ومن ألقت الريح ثوبا إلى بيته. فرع قال بعض العلماء: إذا عجزت عن إقامة الحجة الشرعية فاستعانت على ذلك بوال يحكم بغير الحجة الشرعية اثم دونك إن كان الحق جارية يستباح فرجها، بل يجب ذلك عليك، لأن مفسدة الوالي اخف من مفسدة الزنا والغصب، وكذلك الزوجة، وكذلك استعانتك بالأجناد، ولا تأثم، وكذلك في غصب الدابة وغيرها أو جحد ذلك، لأن الصادر من المعين عصيان لا مفسدة فيه، والجحد والغصب عصيان ومفسدة، وقد جوز الشرع الاستعانة بالمفسدة لا من جهة أنها مفسدة، على درء مفسدة أعظم منها، كفداء الإسراء، فإن أخذ الكفار لمالنا حرام عليهم، وفيه مفسدة إضاعة المال: فما لا مفسدة فيه أولى أن يجوز، فإن كان الحق يسيرانحو كسرة وتمرة حرمتا الاستعانة على تحصيله بغير حجة شرعية، لأن الحاكم بغير ما أمر الله أمر عظيم لا يباح باليسير. فرع قال بعض العلماء: إذا تنازعتما حائطا منتصبا، هل هو منعطف لدارك أم لا؟ فأمر الحاكم بكشف البياض لينظر، إن جعلت الأجرة في الكشف عليك فمشكل، لآن الحق قد يكون لخصمك، والأجرة ينبغي أن تكون لمن له نفع العمل، ولا يمكن أن تقع الإجارة على أن الأجرة على من ثبت له الملك، لأنكما حرمتما بالملكية فما وقعت الإجارة إلا جازما، وكذلك القائف لو امتنع إلا بأجر، قال: ويمكن أن يقال: يلزم الحاكم كل واحد منهما باستئجاره، وتلزم الأجرة في الأجير ممن ثبت له الملك كما يحلف في اللعان وغيره وأحدهماكاذب. تنبيه: الإبراء من المعين لا يصح بخلاف الدين، فلا يصح إبراؤك من داري التي تحت يدك، لأن الإبراء الإسقاط، والمعين لا يسقط، نعم تصح فيها الهبة ونحوها. قاعدة: الحبس يكون لغيبة المجني عليه حفظا لمحل القصاص، أو للامتناع من دفع الحق لجأ إليه، أو تغييرا وردعا عن المعاصي، أو للامتناع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة، كحبس من أسلم عن أختين وامتنع من تعيين أحدهما، أو أقر بأخذ عين وامتنع من تعيينها، أو للامتناع من حقوق الله تعالى التي لا يدخلها النائب، كالممتنع من صوم رمضان، فهذه خمسة أقسام. سؤال: كيف يخلد في الحبس من امتنع من دفع دارهم مع قدرته عليه وعجزنا عن أخذها منه، لأنها عقوبة عظيمة لجناية حقيرة؟ جوابه: انها عقوبة صغيرة بإزاء جناية صغيرة، لأنه في كل ساعة ممتنع من أداء الحق فتقابل كل ساعة من ساعات الامتناع ساعة من ساعات الحبس. بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله علي سيدنا ومولانا محمد
|